top of page

وحدة المسرح

الفن المسرحي

من التأسيس إلى الامتداد

المسرح الملحمي الأسس الفكرية
 والمقومات الجمالية

•.مقدمة

•ينتمي المسرح إلى الفنون الجميلة، بل إنه فن شامل يكتنف في ثناياه باقي الفنون الأخرى من شعر، وموسيقى، وتشكيل، ونحت، وغناء، ورقص... ويعتبر كذلك فنا مخاتلا ينبني على طبقتين متماسكتين: النص والعرض. والملحوظ، أن بينهما ائتلاف واختلاف. وقد أصبح مع التسلسل التاريخي مركبا يعتمد على مجموعة متدخلين في تشييد العرض المسرحي، من مؤلف، ودراماتورج، وسينوغراف، وكوريغراف، وتقني إضاءة، وممثلين، ومخرج... الأمر الذي يثمن كون المسرح فن جماعي، ومنظومة مركبة.

•إن المسرح قضية حضارية أساسا، فهو ينشأ ويتطور في المدينة، ولهذا فإن أي تفكير في جوهر وماهية المسرح، هو بحث قوامه وطبيعته اجتماعية، وفلسفية، وجمالية، وثقافية أيضا. وبالرغم من ارتباط المسرح بالميثولوجيا، والطقوس الدينية لمختلف المجتمعات القديمة، إلا أنه كان –وما زال- يعبر بشكل بصري عن التصورات، والأسس الفكرية، والفلسفية، والمشكلات الاجتماعية للإنسان. وفي هذه النقطة، تتضح القيمة العلمية التي تستدعي دراسة هذه الظاهرة، وتصييرها مادة علمية في ما نسميه بعلم المسرح Théâtrologie الذي يضطلع بمهمة البحث في هذه القضايا ذات الصلة بالإشكاليات المستمرة التي يفرزها هذا الفن المفارق.

•تمهيد:

•إن تاريخ المسرح هو تاريخ التجريب المعاد. وإذا كانت الدراما الأرسطية قد خيمت بظلالها الكثيفة على الفن المسرحي في جل الحقب والعصور، فإن هذه الهيمنة سيتم الإعلان الرسمي عن أفول شمسها مع بروز مجموعة من الجماليات المسرحية التجريبية المعاصرة، خاصة مسرح برتولد بريشت الملحمي الذي شكل نقطة تحول كبرى في تاريخ المسرح.

•إن الذي يميز الثورة المسرحية التي فجرها برتولد بريشت هو الشمولية والانسجام والالتزام. فقد استطاع إحداث تغيير جدري مس كل الجوانب الفنية والفكرية والإيديولوجية التي أقيم عليها المسرح. وطرح تصورا مغايرا جعل من المسرح الملحمي مسرحا للمقارعات الفكرية والفلسفية والسياسية، وملتقى لتلاقح الجماليات الشرقية والغربية.

مسرح العبث
خلخلة فكرية وثورة جمالية

•إن تعدد التيارات والمذاهب المسرحية ليس وليد الصدفة, بل هو ترجمة لاختلاف الرؤى والتصورات الفكرية والفنية والجمالية لأصحابها. وبفضل التجريب الذي يستبدل قيود النقل بالأفق المفتوح للعقل, وعقلية الإتباع بعقلية الإبداع والخلق، تطور المسرح بشكل كبير، وتمرد على الشعرية الأرسطية التي اعتبرت لقرون طويلة رمادا مبجلا لا يجوز المساس به أو الخروج قيد أنملة عن أدبياته. وبذلك تحول التجريب إلى سلاح هدام لكل المحرمات والطابوهات و"المقدسات" التي عطلت انطلاقة المسرح لسنين طويلة وجعلته يغرق في الإجترار والتكرار.

مسرح القسوة

وهوس التجريب المسرحي

تمهيد

يعتبر أنطونان أرطو (1886-- 1947) أحد أبرز الأصوات الأكثر تأثيرا في مسار المسرح الغربي الحديث، وإنسانا كرس حياته لمراجعة المفاهيم والقيم المتداولة. وقد شكل هو نفسه مادة لكتاباته، ليس فقط بسبب خاصيتها السير- ذاتية المهيمنة، لكن كذلك بسبب حضوره الشخصي الثابت. فهو يكتب كما يتكلم، ويعيش كما يكتب، وليس هناك أي مسافة تفصل بينه وبين كتاباته. ولأن أرطو وحياته منسوجان بشكل يجعل من المستحيل الفصل بينهما، "فإن أي محاولة لتقديم أو فهم أرطو، ينبغي أن تضع في الاعتبار حياته كنقطة بداية. إنه البطل الوجودي الحقيقي. فما فعله، وما حدث له، وما عاناه، وما أصبح عليه في النهاية، هو أكثر أهمية من أي شيء قاله أو كتبه"1. وهو الرأي الذي ثمنه جرار دروزوا Gérard Durozoi في كتابه*: "Artaud : L’aliénation et la folie"، وأقربه كذلك جيل دولوز Gille Deuleuze، وفلكس كاتاري F. Guattari في كتابهما* "L’anti-oeudipe"، حيث أكدوا جميعا أن دراسة إنتاجات أرطو الأدبية والفنية بمعزل عن حياته، واهتماماته، يعد ضربا من العبث.

تعددت اهتمامات أرطو، وتداخلت بشكل كبير إلى درجة أنه أضحى من المستحيل محاصرتها. لم يكن أرطو رجل مسرح فحسب، بل هو أيضا شاعر مجرب، وسينمائي، ورسام، وناقد، وأنتروبولوجي، وسياسي- أججت كتاباته فتيل ثورة 68 بفرنسا- وصاحب رؤية Visionnaire.

من هذا المنطلق، فإن من التمحل والتعسف اعتبار كتاباته تنظيرية، لأنها أكبر من أن يحتويها هذا المصطلح، بل هي تنبئية، واستبصارية، وطليعية بامتياز. لذلك، فإن فرادة أرطو هي الوجه الآخر لعالميته. وهو ما يترجمه التأثير الذي مارسه، ومازال يمارسه على كبار المسرحيين، والفنانين، العالميين.

حصص تفاعلية معرفية لفائدة طلبة الفصل الرابع الدراسات العربية وحدة المسرح مع ذ. سعيد كريمي

ذ. سعيد كريمي - مركز الدكتوراه - الترجمة وتشكلات الفكر العربي

bottom of page